مقال صدر بجريدة الصحافة (رابط المقال في موقح جريدة الصحافة)
19-06-2011
د. الصادق الحمّامي، أستاذ مساعد بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ومؤسّس ورئيس تحرير البوابة العربية لعلوم الإعلام والاتصال
يكتسي إصلاح مؤسسة التلفزة التونسيّة الوطنيّة في سياق التطوّرات التي يشهدها المجال الإعلامي التونسي أهمية كبرى. ويتّصل الرهان الأساسي بإحداث منظومة مؤسّسية جديدة تقطع جذريا مع أنماط الإدارة السابقة التي جعلت من التلفزة الوطنية وسيلة للدعاية والهيمنة السياسية وتأمين الولاء. لكن الانتقال بالتلفزة الوطنية من مؤسّسة كانت خاضعة للدولة ولمشيئة زعيمها إلى مؤسّسة عمومية تشتغل في إطار عقد مجتمعي معلوم المضمون والأهداف ليس بالعمليّة البسيطة التي يمكن اختزالها في وصفات تستنسخ من تجارب أجنبيّة. فتجديد مؤسسة التلفزة التونسية، بما أنها مؤسّسة ثقافيّة بامتياز تتفاعل مع المجتمع وخصوصياته، يقتضي شروطا تنظيمية-مؤسّسية وسياسية وثقافية مصدرها خصوصيات المجتمع التونسي والنقاش العام والمعايير العالمية لأنها تكتنز الأفضل قي التجارب العالمية.
19-06-2011
د. الصادق الحمّامي، أستاذ مساعد بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ومؤسّس ورئيس تحرير البوابة العربية لعلوم الإعلام والاتصال
يكتسي إصلاح مؤسسة التلفزة التونسيّة الوطنيّة في سياق التطوّرات التي يشهدها المجال الإعلامي التونسي أهمية كبرى. ويتّصل الرهان الأساسي بإحداث منظومة مؤسّسية جديدة تقطع جذريا مع أنماط الإدارة السابقة التي جعلت من التلفزة الوطنية وسيلة للدعاية والهيمنة السياسية وتأمين الولاء. لكن الانتقال بالتلفزة الوطنية من مؤسّسة كانت خاضعة للدولة ولمشيئة زعيمها إلى مؤسّسة عمومية تشتغل في إطار عقد مجتمعي معلوم المضمون والأهداف ليس بالعمليّة البسيطة التي يمكن اختزالها في وصفات تستنسخ من تجارب أجنبيّة. فتجديد مؤسسة التلفزة التونسية، بما أنها مؤسّسة ثقافيّة بامتياز تتفاعل مع المجتمع وخصوصياته، يقتضي شروطا تنظيمية-مؤسّسية وسياسية وثقافية مصدرها خصوصيات المجتمع التونسي والنقاش العام والمعايير العالمية لأنها تكتنز الأفضل قي التجارب العالمية.
في توصيف التلفزة العمومية
وتكون التلفزة عمومية عندما تكون مؤسّسة مستقلّة عن السلطة التنفيذية وعن الأحزاب وعن المصالح الاقتصادية. ويقوم تمويل التلفزة العمومية، جزئيا أو كليا، على مصادر عمومية: مساهمات الدولة أو ضرائب يدفعها المواطنون أو مساهمات خاصّة فردية أو مؤسّسية ذات طابع خيري (كما هو الحال في الولايات المتحدة). كما يمكن للتلفزة العمومية أن تعتمد على الإشهار بشكل جزئي (القنوات العمومية الفرنسية) أو أن تستثنيها (قناة البي.بي.سي). وتختلف تجارب تنظيم التلفزة العمومية بحسب السياقات السياسية والثقافية، إذ يمكن أن تكون التلفزة العمومية مؤسسة وطنية مركزية كما هو الحال في فرنسا (France Télévision) أو في بريطانيا (بي.بي.سي) أو مؤسّسات خاضعة للحكم المحلي كما هو الشأن في ألمانيا (ا٫ر٫د). وفي أغلب الحالات تستوجب التلفزة العمومية مدوّنة تنظّم بشكل واضح عملها وتحدّد مهامها والتزاماتها وآليات مساءلتها (بي.بي.سي Policies guidelines أو contrat d’objectifs et de moyens بالنسبة لمجموعة القنوات الفرنسية العمومية).
ويمثّل البث الشامل أحد الأهداف الرئيسية للتلفزة العمومية التي يفترض أن تلبّي كافّة الأذواق والحاجيات وأن تكون ذات صلة بالمجتمع وبقضاياه لأنها الإطار الأمثل للنقاش العام وللتعبير عن التنوّع السياسي والثقافي للمجتمع، ممّا يسمح لها بتأمين وظيفة الإدماج الاجتماعي وتعزيز الانتماء إلى الهويّة الجمعيّة. و تولي التلفزة العمومية اهتماما خاصّا بجودة البرامج وتتجنّب المنافسة المحمومة مع القطاع الخاص لاستقطاب الجمهور بشكل يهدّد الطابع الثقافي والاجتماعي لبرامجها ، لأنها مرفق عمومي لا يرمي إلى الربحية. كما تتسم التلفزة العمومية بانفتاحها على المواطنين. فبالإضافة إلى تقنيات قياس الجمهور فإن التلفزة العمومية تضع بشكل تلقائي آليات تسمح للجمهور بمساءلتها أو للتعاون معها. فمؤسّسة البي بي سي على سبيل المثال وضعت منظومة كاملة للشكاوي
www.bbc.co.uk/complaints). أما مجموعة القنوات الفرنسية فقد وضعت مؤخرا «مجلسا استشاريا للبرامج» يجدد سنويا ويتكون من 19 مشاهدا للإدلاء بأرائهم ومقترحاتهم حول البرامج.
ويمثّل البث الشامل أحد الأهداف الرئيسية للتلفزة العمومية التي يفترض أن تلبّي كافّة الأذواق والحاجيات وأن تكون ذات صلة بالمجتمع وبقضاياه لأنها الإطار الأمثل للنقاش العام وللتعبير عن التنوّع السياسي والثقافي للمجتمع، ممّا يسمح لها بتأمين وظيفة الإدماج الاجتماعي وتعزيز الانتماء إلى الهويّة الجمعيّة. و تولي التلفزة العمومية اهتماما خاصّا بجودة البرامج وتتجنّب المنافسة المحمومة مع القطاع الخاص لاستقطاب الجمهور بشكل يهدّد الطابع الثقافي والاجتماعي لبرامجها ، لأنها مرفق عمومي لا يرمي إلى الربحية. كما تتسم التلفزة العمومية بانفتاحها على المواطنين. فبالإضافة إلى تقنيات قياس الجمهور فإن التلفزة العمومية تضع بشكل تلقائي آليات تسمح للجمهور بمساءلتها أو للتعاون معها. فمؤسّسة البي بي سي على سبيل المثال وضعت منظومة كاملة للشكاوي
www.bbc.co.uk/complaints). أما مجموعة القنوات الفرنسية فقد وضعت مؤخرا «مجلسا استشاريا للبرامج» يجدد سنويا ويتكون من 19 مشاهدا للإدلاء بأرائهم ومقترحاتهم حول البرامج.
البي.بي.سي النموذج الأحسن عالميا
وإذا نظرنا إلى التجارب العالمية في مجال حوكمة التلفزة العمومية وتنظيمها فإن النموذج الأحسن هو بلا شك البي.بي.سي التي تمثل مؤسّسة مرجعية في الإعلام البريطاني. فهي ذات دور ريادي في أوروبا وفي العالم، بل هي النموذج الذي يطمح إلى الارتقاء إليه الفرنسيّون الذين هم بصدد إصلاح تلفزيونهم العمومي. والبي.بي.سي مؤسّسة إعلامية عريقة بلغت من العمر قرابة القرن استقطبت أهمّ الكفاءات المتخرجة من الجامعات البريطانية وتشغّل أكثر من 23000 ألف فرد. وتحصل البي بي سي (ككلّ المؤسسات الأخرى) على ترخيص للبث من وزارة الداخلية وترتبط بالدولة بعقد يسمّى «الميثاق الملكي» يجدّد كل عشر سنوات ويحدّد مهامها الكبرى التي تتصل بـ «دعم المواطنة والمجتمع المدني وقطاع التربية والتعليم وتعزيز الإبداع والتميّز الثقافي وتمثيل المملكة المتحدة وأممها وأقلياتها وتعزيز المجتمع البريطاني وانفتاح المملكة المتحدة على العالم وتقريب العالم من المملكة والالتزام بالصالح العام». ويمتد العقد الحالي من 2007 إلى 2016. ونظام حوكمة البي.بي.سي متعدد المستويات، إذ تشرف عليها هيئة عليا أحدثت عام 2007 في إطار إعادة هيكلة المؤسّسة. وتعين الملكة، بعد اقتراح من مجلس الوزراء، أعضاء هذه الهيئة العليا التي تضع استراتيجية المؤسّسة وتقيّم أداءها وتعين المدير العام. وتعتمد البي.بي.سي على ضريبة مباشرة سنوية تحدّدها الحكومة تقدر بـ 320 دينار سنويا توظف على كل أسرة بريطانية تمتلك جهاز تلفاز. وتقوم مؤسّسة خاصّة في إطار عقد مناولة بجمع هذه الضرائب التي تحيلها إلى وزارة الثقافة والإعلام والخزينة العامّة لتصبح ميزانية يصادق عليها البرلمان. كما تعتمد البي بي سي على مساعدات الدولة وعلى الخدمات التجارية من خلال القسم العالمي للبي.بي.سي التي تتأتّى مصادره من المنتجات الترويجية ومن توزيع قنوات البي بي سي وبرامجها في العالم.
والبي.بي.سي كذلك حالة نموذجية في التجديد المؤسّسي. فالاستراتيجية الجديدة التي وضعت عام 2004 تقوم على سياسة منفتحة على الشركاء الخارجيين في مجال الإنتاج وعلى المناطق الداخلية وعلى الجمهور من خلال تعزيز آليات التواصل والتشاور معه لتشجيعه على تبليغ رؤاه وتلقي الشكاوي التي يتقدم بها. وأضحت البي بي سي في السنوات الأخيرة فاعلا مجدّدا في الإعلام الجديد من خلال بوابة إلكترونية مبتكرة تعزز آلية نفاذ الجمهور إلى البرامج ومن شفافية المؤسّسة ومن تفاعلها مع الجمهور.
والبي.بي.سي كذلك حالة نموذجية في التجديد المؤسّسي. فالاستراتيجية الجديدة التي وضعت عام 2004 تقوم على سياسة منفتحة على الشركاء الخارجيين في مجال الإنتاج وعلى المناطق الداخلية وعلى الجمهور من خلال تعزيز آليات التواصل والتشاور معه لتشجيعه على تبليغ رؤاه وتلقي الشكاوي التي يتقدم بها. وأضحت البي بي سي في السنوات الأخيرة فاعلا مجدّدا في الإعلام الجديد من خلال بوابة إلكترونية مبتكرة تعزز آلية نفاذ الجمهور إلى البرامج ومن شفافية المؤسّسة ومن تفاعلها مع الجمهور.
تجارب أخرى مختلفة
وفي فرنسا تم تشبيك القنوات التلفزيونية العمومية الشاملة والمتخصّصة في إطار مجموعة تلفزيون فرنسا التي تمتلك الدولة رأسمالها ويعين رئيس الدولة مديرها بعد الحصول على الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للاتصال. وتعتمد المؤسّسة على تمويل متعدّد المصادر: نظام الإتاوة والمصادر الداخلية والإشهار. وفي عام 2008 تم تشكيل لجنة برلمانية لإصلاح التلفزة العمومية التي اقترحت أن تكون الإتاوة المصدر الرئيس لتمويل التلفزيون العمومي إضافة إلى ضريبة بـ %0.5 على أرقام معاملات مزودي خدمات الانترنات. وفي مارس 2009 تم إقرار قانون لإصلاح النموذج الاقتصادي الجديد لتلفزيون فرنسا وتنظيمه بهدف تحويله إلى تلفزيون شامل. ويرمي هذا الإصلاح، وهو موضوع جدل كبير، على المدى البعيد إلى استثناء الإشهار. وبحسب التوقّعات فإن التمويل العمومي بجب أن يشكّل %95 من مصادر تمويل التلفزيون العمومي بحلول عام 2012.
وعلى خلاف التجربة الفرنسية والبريطانية يتكوّن التلفزيون العمومي (PBS) في الولايات المتّحدة من عدد هام من القنوات غير التجارية، البعض منها مرتبط بالمؤسّسات التربوية، تشكّل نوعا من التعاضدية الضخمة تتبادل في إطارها القنوات التلفزية البرامج أو تشتريها من الهيئة التي تدير الشبكة. ويختلف هذا النموذج تماما عن النموذجين البريطاني والفرنسي، إذ تموّل الحكومات المحلّية والأفراد والهيئات الخيرية هذه القنوات.
وعلى خلاف التجربة الفرنسية والبريطانية يتكوّن التلفزيون العمومي (PBS) في الولايات المتّحدة من عدد هام من القنوات غير التجارية، البعض منها مرتبط بالمؤسّسات التربوية، تشكّل نوعا من التعاضدية الضخمة تتبادل في إطارها القنوات التلفزية البرامج أو تشتريها من الهيئة التي تدير الشبكة. ويختلف هذا النموذج تماما عن النموذجين البريطاني والفرنسي، إذ تموّل الحكومات المحلّية والأفراد والهيئات الخيرية هذه القنوات.
رهانات الانتقال إلى النموذج العمومي
لا يمكن أن تقوم مؤسّسة التلفزة الوطنية بمهامها الجديدة باعتبارها مرفقا عاما دون عصرنة هيكلتها وإعادة تنظيم علاقتها مع الدولة والمجتمع بواسطة عقد معلوم المضمون والأهداف يمثل أداة لمساءلتها وآلية لحمايتها من تدخل السلطة السياسية. ويجب أن يتمخّض هذا العقد عن نقاش عام يحتلّ فيه المهنيّون المكانة الرئيسية ويستمدّ شرعيته من نواب الشعب، نقاش ينأى عن الشعارات الديماغوجية ( انتخاب إدارة المؤسّسة أو إلغاء معلوم التلفزة، الذي يمكن إعادة التفكير في أشكاله). كما أن لمؤسسة التلفزة الوطنية مهامّ رئيسية يجب أن يتضمنها هذا العقد تّتصل بوضع منظومة إخبارية وطنية وجهوية مهنيّة ومستقلة عن المصالح كلّها وديمقراطية وخاضعة للمساءلة وهي مطالبة بوضع سياسة برامجية جديدة تعكس التنوع الثقافي للمجتمع التونسي وتشجّع الإبداع في المجال السمعي البصري. وإضافة إلى هذه المهام التقليدية والمعلومة فإن للتلفزة الوطنية مهام أخرى شديدة الأهمية بالنظر إلى السياق التونسي ومنها :
«تونسة» أطر النقاش العام
إن مساهمة التلفزة الوطنية في بناء المجال العمومي التونسي مطلب رئيسي. فتنامي القنوات التلفزيونية الإخبارية العربية والدولية التي توظف للتأثير السياسية والإيديولوجي تهدّد المجال العمومي الوطني وتلوّثه بإشكاليات غريبة عنه. إن بناء الفضاء العمومي الوطني، إضافة، إلى رفض التمويلات الأجنبية للإعلام وللعمل السياسي، مرتبط بقدرة الإعلام الوطني بشكل عام والتلفزة الوطنية على أن تكون إطارا يتداول فيه التونسيون قضاياهم والمصدر الرئيسي الذي يخبرهم بشكل مهني ومستقل عن أحداث الحياة السياسية والاجتماعية في بلادهم. فالأدوار التي قامت بها القنوات العربية الإخبارية في مشهدنا الإعلامي والسياسي لا تعبّر عن عظمة هذه القناة أو تلك وعن مهنية عالية كما يروج لذلك مريدو بعض القنوات العربية، بل تعكس هذه الأدوار إنخرام منظومة الإعلام الوطني برمته. إن التلفزة الوطنيّة باعتبارها أهمّ مؤسّسات الإعلام العمومي هي الأقدر على أن تكون الفضاء المشترك الذي يتواصل التونسيون بواسطته في سياق تشظي المجال الإعلامي وبروز الاختلاف السياسي والتباين الحزبي والشرذمة الإيديولوجية والفردنة الاجتماعية المتعاظمة. فالتلفزة الوطنية هي الأقدر على تأهيل التونسيين للمشاركة في النقاش العام ،بواسطة الإخبار المهني، في إطار فضاء عمومي شفاف، متنوّع ومشترك في آن واحد ومستقل عن إستراتيجيات التلاعب الخارجية.
مداواة التلفزة الوطنية من علّة السلعنة
لا يمثّل استحواذ السلطة على التلفزة الوطنيّة وتحويلها إلى جهاز إيديولوجي يقوم بوظائف الدعاية السياسية وتأمين الاستقامة الفكرية وإبراز سلطة النظام في أبهى مظاهرها العاهة الوحيدة التي أعاقت قيام التلفزة الوطنية بوظيفة المرفق العام. فسلعنة البرامج هي الدّاء الثاني الذي حوّلها إلى مؤسّسة تحكمها قواعد القطاع الخاصّ الربحية التي تجسدّت في التنافس الجشع على السوق الإشهارية. فسادت في قناة «سبعة» البرامج الرياضية والترفيهية ذات التوجه الترويجي وغابت عنها البرامج الثقافية، حتى أن الشبكة البرامجية في السنوات الأخيرة لم تكن تتضمّن برنامجا واحدا يعنى بالكتاب. بل انقلبت الموازين في أحيان كثيرة فتحوّلت قناة حنبعل إلى قناة شبه عمومية تبث ليلة الأحد برنامجا يعالج القضايا الاجتماعية (الحقيقة)، في حين كانت القناة الوطنية تبث سهرة فنية موسيقية ترفيهية. وتتحقّق معالجة التلفزة الوطنية من أمراض السلعنة عبر إعادة التفكير في مكانة الإشهار في منظومة تمويلها عبر استثناء الإشهار أو تحجيم حضوره. وللمقاربتين مزايا وسلبيات. فلاستثناء الإشهار مسوغات عديدة منها خاصّة محدودية السوق الإشهارية. فانسحاب التلفزة الوطنية من ميدان التنافس على الموارد الإشهارية يدفع بالقنوات الخاصّة للكف عن المطالبة بالتمويل العمومي كما تفعل ذلك بعضها. أما تحجيم الإشهار فيسمح بالحفاظ على روح المرفق العمومي دون حرمان مؤسسة التلفزة الوطنية من مداخيل إضافية. أما الطريقة الثانية لمعالجة داء السلعنة فيتمثّل في تعزيز مكانة البرامج الثقافية دون السقوط في الأسلوب التعليمي والمدرسي. ولنا في القنوات العمومية الأوروبية (على غرار أرتي الفرنسية وقنوات البي.بي.سي المتخصّصة مثال جيّد عن ذلك).
استقطاب الشباب
أما الرهان الرئيسي الثالث فيتّصل باستقطاب التلفزة الوطنية للشباب في سياق يتّسم بظهور أنماط جديدة من الميديا الجديدة والاستهلاك الإعلامي ساهمت في عزوف الشباب عن الإعلام الكلاسيكي. ولهذا العزوف تأثيرات على الإدماج الاجتماعي للشباب وعلى بناء هويته. فالتفكير في إعادة بناء العلاقة بين التلفزة الوطنية والشباب، بعد جفاء طويل، يحيلنا بالضرورة إلى إشكالية تنشئة الشباب الاجتماعية والسياسية. فهل يجب أن نقبل بأن يكون الفايسبوك، الذي تحكمه الذاتية الخالصة والانتماء الفئوي والغوغاء الفكرية، مصدرا يستقي منها الشاب، المواطن والناخب، الأخبار التي يؤسّس عليها مواقفه واختياراته السياسية؟ وفي المقابل فإن استعادة التلفزة الوطنية لعلاقتها مع الشباب رهينة عدّة شروط لعلّ أهمها عصرنة المؤسّسة برمّتها والتي من أولوياتها توظيف منصّات التوزيع الجديدة عبر الانترنات والهاتف الجوال، أي الوسائط التي يستخدمها الشباب ويفضلها، واستحداث أشكال جديدة من البرامج والتفاعل مع الشباب في عوالمه الافتراضية والقطع مع الخطاب الأبوي ولغته السلطوية.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire