9/12/2011

صحف جديدة...... صحافة قديمة ؟

حديث الميديا : صحف جديدة...... صحافة قديمة ؟
صدر بجريدة المغرب التونسية 11- سبتمبر-2011
الصادق الحمامي
ظهرت صحف عديدة: يومية وأسبوعية، عامّة ومتخصّصة، مستقلّة وحزبية. فهل يعلن تكاثر العناوين هذا عن ميلاد صحافة مكتوبة تونسية جديدة مختلفة ومبتكرة أم أن الأمر لا يعدو أن يكون طفرة كمية مرتبطة بتلاشي آليات التحكم في النفاذ إلى القطاع ؟


خطاب صحفي جديد لم يتشكّل بعد 
الصحافة خطاب مخصوص يقوم على أساليب في الكتابة كونية ومعلومة يسرد لأحداث الاجتماعية والسياسية ويستكشف الواقع والفاعلين فيه وهو لا يسعى إلى توصيل المعلومات لأنه يكشف عن الأحداث ويتيح للناس فهم أبعادها ومعانيها. ولكن المتمعّن في الإنتاج الصحفي لا يتبيّن بوضوح خطابا صحفيا جديدا مبتكرا. فالأسلوب التقريري لا يزال سائدا والفصل بين الخبر والتعليق، أي القاعدة الذهبية للصحافة، لم يرتقي بعد إلى منزلة المبدأ الرئيس. أمّا الاستقصاء أو التحقيق، أرقى الأجناس الصحفية،  فلا يزال نادرا مما يؤشّر إلى ضمور وظيفة  الاستكشاف لصالح وظيفة "توصيل المعلومة". والمتمعّن في بعض الصحف الجديدة يفاجأ بإعادة إنتاج لنوع قبيح من الكتابة الصحفية، يقوم على تزييف الوقائع والتلاعب بها : صحيفة  أسبوعية صادرة عن تيار عانى من الحجب ومن أسلوب  التزييف نشرت أخيرا مقالا، لا جنس له،  بعنوان "النساء الديمقراطيات: يرفضن المهر والفاتحة ويطالبن بالحرية الجنسية" يتناول وثيقة أرسلتها الجمعية، حسب الصحيفة، إلى وزارة المرأة، دون أن تقوم الصحفية كاتبة المقال بالجهد المهني الأدنى الذي يقتضي أن تّتصل بالجمعيّة والوزارة للتأكّد من أصالة الوثيقة. كما تجاهلت الصحفية ضرورة إعطاء الكلمة للجمعية لإيضاح موقفها مكتفية بآراء بعض المثقفين اتفقوا على أن برنامج جمعية النساء الديمقراطيات "غريب عن المجتمع التونسي". مثال يختزل صعوبة تفعيل الحريّة والمهنية معا في خطاب صحفي جديد يقطع مع  النموذج الدعائي والتشهيري لصالح نموذج جديد يتعايش داخله، وفق منطق أخلاقي، الخبر الأصيل والرأي الرصين.
مجلس الصحافة: الآلية الغائبة أوالمغيّبة ؟
يحيلنا هذا المثال إلى إشكالية تنظيم الصحافة المكتوبة وفق معايير مضبوطة يضعها الصحفيون تضمن في الوقت ذاته حريتهم وتسمح للمجتمع بمساءلتهم عندما لا يحترمون  المبادئ المهنية. وفي هذا الإطار فإن المعيار العالمي يقتضي تأسيس مجلس للصحافة يتكوّن من الصحفيين والناشرين والمواطنين للدفاع عن حرية الصحافة ومتابعة الالتزام بالأخلاقيات المهنية من خلال وضع آليات لمساءلة الصحفيين والتقليل من اللّجوء إلى الطرق القضائية. لا أثر لمسألة مجلس الصحافة في أجندة إصلاح الإعلام مما يجعل من المشروع التساؤل عن معاني غياب أو تغييب التفكير في إحداث هذا الهيكل الذي يمثل مسلكا قد يفضي إلى تشكيل عقد جديد بين الصحفيين والمجتمع ؟
الصحافة المكتوبة، سوق يحتاج إلى الشفافية    
المؤسّسات الصحفية هي كذلك مؤسّسات اقتصاديّة بالمعنى التقليدي للكلمة. وفي هذا الإطار فإن مراقبة مبيعات الصحف تضفي على القطاع الشفافية من خلال الكشف عن مصادر تمويل الصحف وتساهم في تنظيم التنافس الشريف على الموارد الإشهارية. فلا غرابة إذن أن تنتشر في عديد دول العالم هياكل المصادقة على مبيعات الصحف. وعلى هذا النحو فإن الصحافة المكتوبة التونسية إذا أرادت أن تكون سلطة رابعة فهي ملتزمة كذلك، ككل السلطات الأخرى التي تطمح لمساءلتها، بمبدأ الشفافية.
الميديا الجديدة : إستراتيجية الحدّ الأدنى
مواقع الصحف، إن وجدت، تقوم على النسخ واللصق أي على إعادة نشر ما صدر على الصحيفة الورقية دون توظيف تطبيقات الإنترنت لتجديد  المضمون الصحفي في سياق إعراض فئات الشباب خاصّة  عن الصحافة المكتوبة الورقية. كما لم تستثمر الصحف تطبيقات الإنترنت لتأسيس علاقة جديدة مع قارئ من طراز جديد اكتسب كفاءة الإنتاج والمشاركة والتفاعل. فمواقع الصحف التونسية غير تفاعلية لا أثر فيها لمنصّات التدوين والقليل منها يتيح للقراء التعليق على المقالات أو التفاعل عبر الفايسبوك.  إستراتيجية الحدّ الأدنى تعكس استمرار القطيعة بين الصحيفة والقارئ تجسّدها ضمور تقليد بريد القراء ودراسات الجمهور واستطلاعات الرأي حتى أنه من المشروع القول أن الصحفي التونسي لا يعرف لمن يكتب.

 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire