2/17/2012

استقلالية الإعلام : الشروط والآليات

 مقال صادر بجريدة  الصحافة بتاريخ 17 فيفري 2012 
الرابط
شهدت بلادنا في الأسابيع الماضية أحداثاهامّة متّصلة بالإعلام : إعتداءات رمزية وجسديّة على الصحفيين، وقفات إحتجاجية ومبادرات نظّمها الصحفيون للمطالبة باستقلاليتهم، جدل حول إدارة الإعلام العمومي.
ومن جهة أخرى عبّرت الحكومة عن عدم رضاها عن الإعلام العمومي  الذي لا يعكس حسب رأيها «الإرادة الشعبية»! ثمّ قامت الحكومة بتعيينات أثارت العديد من ردود الفعل المناهضة. وتساند الحكومة مجموعات منظّمة على شبكة الفايسبوك تقوم بحملات شرسة ضدّ  الصحفيين وضدّ مؤسّسات الإعلام العمومي والخاصّ فتصفها بـ«الإعلام البنفسجي»، و«إعلام العار»..... وتشهّر بالصحفيين وتنظمّ وقفات احتجاجية مضادة.
.
وفي سياق هذه المواجهات يطالب الجميع بـ«استقلالية الإعلام». والمتمعّن في النقاش يلاحظ هيمنة الشعار على حساب التفكير في شروط الاستقلاليّة وآليات تحقيقها. فاستقلالية الإعلام نتاج لعوامل متعدّدة وآليات متنوعة. والإستقلالية ليست معطى كامنا في الصحفي أو في المؤسّسات الإعلامية يمكن  تفعيله مرّة واحدة. كما يختلف مفهوم استقلالية الإعلام العمومي عن  الإعلام الخاص.
ما هي إذن الشروط والآليات التي يجب أن تتوفر وتتفاعل لتحقيق استقلالية  الإعلام على المدى القصير والطويل والتي يتيح التفكير فيها القطع مع الرؤى الشعبوية اليمينية (الإعلام يعبر عن الإرادة الشعبية) والتقدمية (الإعلام سلطة).
الكفاءة المهنية
لا يمكن للصحفي الجاهل بقواعد مهنته الفنّية والأخلاقية أن يكون مستقلاّ، حتى إذا أراد ذلك. فالصحافة حرفة تقتضي الكفاءة قبل أن تكون سلطة تستحق الدفاع. وإذا أراد الصحفي أن يكون مستقلا فعليه أن يكون عالما بالمقتضيات العملية لهذه الاستقلالية في ممارسته المهنية اليومية. فالاستقلالية تتشكّل في المعالجة الإخبارية ذاتها : استخدام المصادر، تجاوز التوصيف المؤسّسي للأحداث، البحث عمّا يريد إخفاءه الفاعلون (حكومة، مؤسّسات إقتصاديّة).
لا يولد الصحفي مستقلاّ بل يكتسب ذلك من خلال صراعه اليومي مع الفاعلين الاجتماعيين الذين يبحثون عن ولائه. ويمكن للصحفي أن يفقد استقلاليته بطريقتين. عندما  يعتقد أنه جامع للمعلومات، كما يعرفه قانون الصحافة الجديد. فيتحوّل هكذا إلى ناقل للمعلومات يمارس  الجهد الأدنى الإخباري فيستخدمه صاحب المعلومات متى أراد لتوصيل ما يشاء. وفي المقابل فإن بعض الصحفيين يعتقدون أنهم مثقفون مطالبون بإبداء رأيهم في كل شيء. فينحازون إلى هذا الطرف أو ذاك، بل يعمد بعضهم الى الدفاع عن الحكومة والحديث بإسمها.
والواقع أن الاستقلالية والقيم المرتبطة بها مثل الموضوعية والنزاهة والإنصاف هي  التي تضمن للصحفي التونسي إستعادة هيبته ومكانته الإجتماعية. فنحن نعيش اليوم في بيئة إعلامية ملوثة بالمضامين العدائية والتشهيرية والفضائحية مما يجعل من الصحافة التقليدية الرصينة والنزيهة  والمهنية والمستقلة مطلبا ثقافيا ضروريا لبناء فضاء عمومي يحكمه حدّ أدنى من العقلانية.   
التنظيم الذاتي
لا يكتسب الصحفيون والمؤسّسات الإعلامية الاستقلالية عبر استبعاد  السلطة السياسية من مجال فعلهم فحسب، بل كذلك من قدرتهم على إدارة شؤون مهنتهم بأنفسهم في إطار ما يسمّى التنظيم الذاتي autorégulation. ورغم تعدّد التنظيمات النقابية الجديدة التي تعزز أدوار المهنيّين فإن  فلسفة التنظيم الذاتي وآلياتها غائبة تماما في تونس مما يفسّر غياب هيئة مستقلة نابعة مباشرة من القطاع لا تعيّنها السلطة يفكّر المهنيّون في إطارها في إستراتيجيات تطوير قطاعهم ووضع آليات المساءلة والمحاسبة.
إصلاح المؤسّسات الإعلامية
تتّسم السوق الإشهارية في تونس بمحدوديتها وسيطرة بعض المؤسّسات الكبرى عليها ولا تتمتع الصحف المكتوبة بشبكة توزيع قوية وناجعة. وبشكل عام تتسم المؤسّسات الإعلامية في مجملها بالهشاشة التنظيمية وتفتقد إلى شروط الاستمرارية: مضامين ذات جودة، تنظيم محكم، موارد إشهارية وافرة، قاعدة قرّاء وفيّة، شبكة توزيع صلبة، استثمار جيّد للميديا الجديدة  لتنويع مصادر الدخل.
تمثّل هذه الهشاشة المؤسّسية البنيوية الخطر الأساسي الذي  يجعل من بعض المؤسّسات الإعلامية جاهزة موضوعيا لأن تفرّط في استقلاليتها وأن تكون في خدمة مصالح بعينها:  السلطة السياسية التي قد تهدي بعض المؤسّسات السمعية البصرية، غير القادرة على استقطاب الإشهار عبر البرامج الجيّدة، بعض الإعفاءات الضريبية أو مستشهرين أو قوى سياسيّة خفية ذات قدرات مالية ...  وهكذا أيضا تتمتّع بعض المؤسّسات الاقتصادية  التونسية الكبرى ذات الميزانيات الإشهارية الضخمة بمعالجة صحفية أقرب إلى الإشهار المقنع في الكثير من الوسائل الإعلامية، دون أن يثير ذلك  الاستغراب أو التنديد.
الشفافية
يمثّل إرساء آليّات الشفافيّة أحد أهمّ الوسائل التي تتيح تحويل الاستقلالية من شعار إلى واقع مؤسّسي. وتتمثل الشفافية في الصحافة المكتوية في إعلان الصحف عن الإحصائيات المتعلقة  بتوزيعها. كما تلتزم القنوات الإذاعية والتلفزية بالكشف عن مصادر تمويلها في إطار كراس الشروط الذي يحكم عملها. وتسمح هذه الآليات بتشخيص مصادر التمويل غير القانونية التي تلجأ إليها بعض الصحف،  الرديئة مهنيا وأخلاقيا،  المرتبطة ببعض القوى الاقتصادية أو السياسية (رجال أعمال...).
 
التعاقد بين الدولة والإعلام العمومي
يقتضي ضمان استقلالية مؤسّسات الإعلام العمومي أن ترتبط بالدولة بواسطة عقد يبين بكل وضوح ودقة وظائفها والتزاماتها التي تتجسد في كراس شروط. ويحمي هذا العقد المؤسّسات الإعلامية العمومية من المتلاعبين بها أي السلطة السياسية من جهة أو أطراف داخليّة حازت في سياق الضبابية الحالية على قدرات جديدة قد تحوّلهم إلى فاعلين قادرين على التأثير المستتر. يمكن أن تتحرر المؤسّسات العمومية من  الولاء للسلطة السياسية لكنها يمكن أن تصبح فريسة الإستراتيجيات الفئوية، في حين يجب أن تتحرر من الولاءات كلها لأنها ملك المجتمع. كما يجب أن يصاغ هذا العقد الجديد الذي يربط المؤسّسات الإعلامية بالدولة والمجتمع في إطار النقاش العام، لأن الإعلام على غرار الصحة والتعليم مسألة مجتمعية بامتياز لا يمكن لفئة ما أن تستأثر بالتفكير فيه.
وعلى هذا النحو تصبح مسألة التعيينات نسبية، بفضل الطابع الإلزامي والإجرائي لكراس الشروط الذي يصبح أداة مساءلة. لأن الإدارة تصبح ملتزمة  بتحقيق الأهداف التي  يلزمها بها كراس الشروط  ومنها على سبيل المثال أن يعبّر الإعلام العمومي، في النشرات الإخبارية، عن التنوع السياسي للمجتمع التونسي.
كما لا يمكن للمؤسّسات الإعلامية الخاصّة أن تتنصل من مقتضى التعاقد الضمني الذي يتخذ في هذه الحالة شكل المدونة التحريريّة التي تتضمن قيم المؤسّسة الإعلامية وتشهر التزام الصحيفة بالولاء  للمهنة.
المساءلة
يمثل العقد بين الدولة والمؤسّسة الإعلاميّة العمومية والمدوّنة التحريرية التي تلتزم بها المؤسّسة الخاصة أدوات المساءلة، أي إمكانية محاسبة الصحفيين، وخاصة المنتمين منهم للقطاع العمومي، على الأخطاء التي يرتكبونها. وتسمح المساءلة بإعطاء الكلمة للجمهور لنقد الصحفيين عبر آليات عديدة داخلية أو خارجية في إطار فلسفة الحوار والوساطة والتوفيق. تعزز هذه الآليات انفتاح المؤسّسة وشفافيتها وتعزز هيبتها وصلابتها. لا تزال هذه المقاربة غائبة في تونس بسبب ضمور تقاليد انفتاح الإعلام على الجمهور (محدودية بريد القراء مثلا...) مما يفسّر صلف بعض المؤسّسات الإعلامية.
ومن أهم آليات المساءلة  مراقبة البرلمان للمؤسسات الإعلامية العمومية والتحقق من تطبيقها لأهدافها المنصوص عليها في العقد الذي يجمعها بالدولة.   
حماية هيئات التحرير من تدخل الإدارة
تقوم الإدارة العصرية للمؤسّسات الإعلامية على فصل العمل التحريري والصحفي عن  الإدارة حتى لا يخضع إلى مقتضيات غير مهنية (تحقيق مآرب المستشهرين...). ولا يعني هذا أن الصحفيين يتملّكون  الخط التحريري للمؤسّسة  الإعلامية، عمومية كانت أو خاصّة. وفي هذا الإطار يمثل مجلس التحرير، الذي لا ترتبط مهامه بإدارة العمل التحريري اليومي على عكس الفهم الخاطئ السائد في تونس، إحدى الآليات التي يمكن أن تحقق إستقلالية هيئة التحرير في إطار الإستراتيجية العامة للمؤسسة الإعلامية. فمجلس التحرير المنتخب من  الصحفيين على عكس هيئة التحرير، يدافع عن مبدإ احترام المعايير  المهنية والأخلاقية بل ويراقب أيضا إلتزام الصحفيين بهذه المبادئ.
(*)
مؤسس ورئيس تحرير البوابة العربية لعلوم الاعلام والاتصال

2 commentaires:

  1. Intéressant, cependant j'ai pas bcp aimé l'introduction car tout d'abord on n'a pas besoin d'une page FB(que vous dites poussée par le gouvernement, je ne sais pas) pour se rendre de la médiocrité de nos médias, car c déjà une insulte à tout les tunisiens qui ne sont pas satisfaits de la qualité de la quasi totalité de nos journalistes, par ailleurs cette introduction présente bien l'alibi qu'il faut, qui est d'ailleurs pris comme argument par les journalistes et les médias qui ne veulent pas reconnaître leur insuffisances, comme quoi c les milices de tel ou tel parti politique qui font ça, donc ça ne reflète pas l'avis du peuple tunisien et donc on est bien et ils continuent à nous traiter "presque" comme ils ont eu l'habitude de faire du temps de Ben Ali, les médias de propagande, d'une pensée unique qu'ON DOIT CROIRE et ça ça rend malade et ça fait sentir qu'on est encore sous la dictature d'un courant de pensée unique. Ceci étant, personnellement j'ai pas aussi aimé la critique faite par le gouvernement au média car justement ça mène là où ça a mené: assimiler tous ceux qui critiquent les médias à des milices d'un parti au pouvoir ou au gouvernement, comme si tout est bien et qu'on leur cherche la bête noire. Finalement, j'espère bien que vous vous entendiez, journalistes tunisiens à appliquer ces propositions que je pense intéressantes, et SVP sachez qu'il y en a vraiment marre de nos médias telles qu'elles sont maintenant, sachez que c un grand facteur de frustration que de se voir obligé de regarder des infos "orientées" chaque soir, la dernière étant ce feuilleton de Wajdi Ghouneil qui fait l'objet des infos de 18h30 et de 20H pendant 3 jours, je ne pense pas que la plus grande visite du président de la première puissance mondiale aurait bénéficié d'une telle couverture médiatique

    RépondreSupprimer
  2. Bonjour
    Je vous remercie d'abord pour votre intérêt pour l'article.
    Pour l'intro j'ai essayé en fait de situer le débat sur l'indépendance des médias dans son contexte
    Je pense en effet que la majorité des tunisiens ne sont pas satisfaits de la situation des médias, mais les raisons sont différentes. Il est clair que Annahdha et ses supporters considèrent que les médias ne reflètent la rapports de forces politiques/
    Je pense pour ma part que la débat n'est pas fondé sur des données objectives : par exemple nous ne savons rien sur le temps de parole accordé à chaque courant politique. Cette donnée est importante pour évaluer la représentativité politique.
    Je crois aussi que les médias tunisiens doivent être plus à l'écoute des citoyens, ce qui n'est pas le cas aujourd'hui,

    RépondreSupprimer